سيدي ولد عبد المالك/صحيفة القدس العربي اللندنية.
تعاني مجتمعات الطوارق في إفريقيا من الكثير من التهميش والتخلف وضعف القدرة على الاندماج والانسجام مع نظم الدولة المعاصرة، ويساهم مجتمع الطوارق نفسه في بعض هذه المشاكل بسبب طبيعته البدوية وحرصه على التمسك بثقافته وتقاليده، كما إن الدول الإفريقية التي تتواجد فيها هذه المجموعة على شكل أقليات تتحمل هي الأخرى جزءا كبيرا من مأساة الطوارق، إذ يحرمون من البني التحتية التعليمية والصحية ويفتقدون إلى ادني متطلبات الحياة الكريمة.الظروف الصعبة للطوارق دفعتهم إلى حمل السلاح كوسيلة للتعبير عن مطالبهم وإسماع صوتهم في كل من مالي والنيجر وتشاد غير إن حركات التمرد الطوارقي ظلت تعاني من افتقاد سند إقليمي أو دولي حاضن تتكئ عليه في مواجهة الأنظمة السياسة التي تناصبها العداء وهو ما حد من قدرتها رغم الإرادة والتصميم والشجاعة التي يتميز بها الطوارق، فهذه الحركات تختلف عن معظم الحركات الإفريقية التي غالبا ما توظف بعد ظهورها في الصراعات الإقليمية، إن لم تكن ناتجة عنها أو إفرازا من إفرازاتها. كما أن مجتمع الطوارق لم يكن من تلك الأقليات التي استفاد منها الاستعمار وجندها لصالحه، ومصالحه، فكان سندا لها بعد رحيله كما كانت سندا له اثناء تواجده في مستعمراته، فالطوارق هم وحدهم من حمل سلاح المقاومة في وجه المستعمر الفرنسي في مالي والنيجر من بين المجموعات الإفريقية التي كانت تتعايش معهم لحظتها.وظلت هذه الحركات تحظى بتعاطف خجول من طرف الجزائر وليبيا بحكم الروابط التاريخية والامتدادات الاجتماعية لهذا المجتمع في البلدين، إلا أن هذا التعاطف يطغى عليه من جهة التطلع الاستراتيجي لليبيا في إفريقيا وهو ما يحتم تحسين العلاقة بمالي والنيجر، ومن جهة أخرى العلاقات التاريخية الطيبة للدولة الجزائرية مع هذين البلدين .توقيع أربع حركات نيجرية وثلاث فصائل مالية لاتفاق مصالحة يفضي إلى نزع أسلحة متمردي الطوارق مؤخرا مع الرئيسين النيجري أمدو تاندجا والمالي ماممدو توماني توري برعاية الزعيم الليبي ، يأتي في وقت تحتاج فيه هذه المنطقة الملتهبة إلى هدوء يمنح السكان الأمن والاستقرار ويساهم في التنمية. كما يأتي الاتفاق في ظرف تحتاج فيها أنظمة النيجر ومالي إلى استراحة أو هدنة تمكنهما من الاستعداد لمواجهة بعض التحديات الداخلية، فمالي بحاجة إلى مد يدها لأبنائها من الطوارق لكي يكون بمقدورها نزع شفة تنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي الذي أعلن قبل أشهر عن دخوله في حرب مفتوحة ضد نظام باماكو. أما نظام النيجر الذي كان يخوض حربا عسكرية وأمنية مع الطوارق في شمال البلاد وأخرى سياسية مع قوى المعارضة المدنية التي تعارض تمديد مأمورية ثالثة للرئيس تاندجا. فسيجد في هذا الاتفاق فرصة ثمينة لترتيب أوراقه الانتخابية في وجه قوى سياسية ومدنية يتزايد أتباعها وأنصارها يوما بعد آخر.فوائد المصالحة الأخيرة تتجاوز الحدود الأفريقية، فمن المعلوم أن منطقة الصحراء الكبرى أصبحت في الآونة الأخيرة من المواقع الإستراتيجية المهمة في إفريقيا، والتي تتطلع القوى الغربية لبسط يدها عليها مخافة أن تستفحل أنشطة العمليات التي توصف بالإرهابية واختطاف الأجانب واتخاذهم كرهائن، وتهريب السلاح والمخدرات بالمنطقة. ويغذي هذا الاهتمام التسابق بين أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية لترسيخ نفوذهما في المنطقة بغية تحقيق مصالح أمنية وتجارية واقتصادية تستهدف السيطرة على موارد وثروات دول جنوب المتوسط. وتعد فرنسا أكبر مستفيد غربي من وضع مسلحي النيجر لأسلحتهم فأنشطة الحركات المتمردة في النيجر وخاصة في منطقة أكاديس كانت تؤثر على إنتاج شركة آريفا العملاقة الفرنسية التي تحتكر استغلال اليورانيوم في أكاديس .غير أن التنازع بين ليبيا والجزائر على إدارة ملف الوساطة والتسوية بين حكومتي مالي والنيجر من جهة والطوارق من جهة أخرى أصبح يضع كل تسويات الوساطة في ملف الطوارق على كف عفريت، فالجزائر التي عرفت عبر التاريخ بنجاح دبلوماسيتها الاحتوائية لتمرد الطوارق في مالي والنيجر في الستينيات والتسعينيات تجد نفسها مقلمة الأظافر في التعاطي مع ملف ظلت تحتكر إدارته لسنوات طويلة وذلك بسبب دخول ليبيا في الفترة الأخيرة على الخط في إطار مبادرة يطلق عليها مجالس قبائل الصحراء الكبرى وهي مبادرة ترفع شعار إنصاف مجتمعات الطوارق، وتحقيق تصالح دائم بين هذه المجتمعات وحكوماتها في الفضاء الساحلي الإفريقي (مالي، النيجر، تشاد). فالعقيد القذافي أستطاع في السنوات الأخيرة كسب ود الطوارق والحصول على ولاء زعمائهم وشيوخهم وسلاطينهم نتيجة دعمه السخي المادي لهم، الأمر الذي مكنه من توجيهم حيث شاء ومتى شاء. ويرى مراقبون أن جهود القذافي التصالحية بين الطوارق ونظامي النيجر ومالي يريد منها الزعيم الليبي إضافة رصيد لحسابه السياسي والدبلوماسي في بند الاستقرار والسلم في منطقة الصحراء الكبرى الأفريقية وذلك بوصفه رئيسا للإتحاد الإفريقي.في الأخير يمكن القول أن أتفاق سبها والذي وصفه الزعيم الليبي باتفاق الشجعان يبقى مجرد مشروع مصالحة ما لم تؤكد الأيام المقبلة أن الطوارق فعلا قد تخلوا عن حمل السلاح الذي أصبح ثقافة أساسية لدى هذه المجتمعات كلما أرادت التعبير عن مطالبها، ويزيد من مخاوف فشل الاتفاق تجربة العقيد القذافي مع ملف الوساطات الإقليمية، تجربة أثبتت أن الرجل الذي أدمن هواية الوساطات يخفق في الغالب في تحقيق النجاحات والغايات المتوخاة من الصلح.
كاتب موريتاني مهتم بالشؤون الأفريقي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق